الشباب لا يبحثون عمّن يملي عليهم الطريق؛ بل عمّن يشاركهم اكتشافه” كيف ننتقل من البرامج التقليدية إلى حلول مبتكرة تُشعل الشّغف وتَصنع الأثر ؟ تستعرض...
نحو تأهيل الشباب لتحمل المسؤولية
تعد مرحلة الشباب مرحلة القوة بامتياز، قال الله سبحانه وتعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم : 54]، فهي مرحلة العطاء ومرحلة تحمل المسؤولية بكل تجلياتها، سواء تعلق الأمر بمسؤولية الأسرة أو العمل المهني، وصولا إلى المسؤوليات الكبرى في التعليم والاقتصاد والسياسة … بقصد النهوض بالمجتمع وتطويره في مختلف المجالات.
- مهارة القدرة على الحوار والتواصل: التواصل والحوار من أبرز العناصر في بناء وتطوير الشخصية، فكل الأعمال تبدأ بالكلمة والكلمة هي المفتاح، ولابد من تدريب الأطفال قبل الشباب على اكتساب مهارة القدرة على الحوار الفعَّال والتواصل بأسلوب جيد، وذلك يتطلب محاربة الخجل والتشجيع على حضور اللقاءات والمجالس التي تتيح فرصًا للإنصات والحوار والمناقشة واكتساب الجرأة في الكلام.
ونذكِّر في هذا السياق بحديث ابن عمر رضي الله عنه في سؤال الرسول عليه السلام عن الشجرة: فعن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها وهي مثل المسلم حدثوني ما هي فوقع الناس في شجر البادية ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله فاستحييت، فقالوا يا رسول الله أخبرنا بها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة. قال عبد الله فحدثت أبي بما وقع في نفسي فقال لأن تكون قلتها أحب إلي من أن يكون لي كذا وكذا. وهذا فيه دلالة واضحة على حضور الأطفال لمجالس الكبار.
- مهارة تدبير الخلاف والنزاع: إن امتلاك مهارة التواصل الفعال تمكن الشباب من امتلاك مهارة أخرى لا تقل أهمية، وهي مهارة تدبير الاختلاف وحل النزاع، ذلكم أن قيم التواصل وأخلاق الحوار مساعدة على خلق أجواء هادئة وإيجابية بين مختلف الأطراف المتحاورة، مما يكون له الأثر الطيب على تقبل الحق واحترام رأي الطرف الآخر، ومن ثمة الخروج بنتائج إيجابية تثمر التعاون والمحبة والمودة دون الوقوع في الخصام والنزاع والقطيعة، وقد دعا سبحانه وتعالى إلى الرحمة في الخطاب، فقال في حق نبينا صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} [آل عمران : 159]، فالكلام الطيب واللِّين والرفق وتجنب الشدة والغلظة كلها قيم تحفظ الحوار والتواصل وتمنع الخصام بين الأطراف المشاركة في الحوار والمناقشة، وفي هذا السياق أيضا دعا الله عز وجل إلى مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن فقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت : 46].
- مهارة الابتلاء بتحمل بعض المسؤوليات في سن مبكرة: مما ينبغي الاهتمام به في تأهيل الشباب وإعدادهم لتحمل المسؤوليات الكبيرة والجسيمة، أن يتم تكليفهم منذ مرحلة التمييز ببعض المهام، وذلك من قبيل التسوق وأداء مستحقات معينة (فواتير ماء وكهرباء…)، والنيابة عن الآباء في بعض المسؤوليات .. ومعلوم أن شباب الصحابة رضوان الله عليهم تحملوا مسؤوليات كبيرة في عنفوان الشباب، ويكفي أن نتوقف عند حدث الهجرة النبوية الشريفة من مكة إلى المدينة لنجد أن الفتية والشباب كان لهم الأثر الكبير في ذلك، فهذا علي رضي الله عنه يخلف النبي صلى الله عليه وسلم في فراشه، ويبيت فيه لتحمل مسؤولية رد الأمانات إلى أهلها دون أن يخاف بطش كفار قريش، وهذا عبد الله بن أبي بكر ينقل أخبار قوم مكة للرسول صلى الله عليه وسلم بغار ثور، ومثل ذلك يقال عن المهام التي قامت بها كل من أسماء وعائشة رضي الله عنهما، حيث تحمل الجميع مسؤوليات دقيقة بسرية ومهارة عالية مكنت من حفظ خطة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء في دليل المقاصد التربوية لمرحلة الشباب: (ولهذا ينبغي للوالدين والمربين تفهم أن مرحلة الشباب هذه، خصوصا بعد الثامنة عشرة، أنها سن العمل وسن التوثب وتحمل المسؤوليات الكبار، سواء في النفير مع ولي الأمر أو في الدعوة إلى الله تعالى.).
- مهارة القيادة: تحمل المسؤولية بشكل جيد يحتاج إلى صناعة الشخصية القيادية، التي تعرف كيف تقود الناس إلى تحقيق الأهداف والغايات في ظروف جيدة، فالقائد شخص حكيم يعرف كيف يخطط ويدبر لمختلف العمليات التي تحتاجها الجماعة التي يقودها، والأمة في حاجة إلى قادة من الشباب، ولا يكون ذلك إلا بتأهيلهم منذ مرحلة الطفولة ومرحلة البلوغ، وهذا نهج الرسول عليه الصلاة والسلام في إعداد جيل الصحابة من الشباب، فقد كلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسامة بن زيد-رضي الله عنه- لقيادة جيش فيه كبار الصحابة -رضي الله عنهم- وهو دون الثامنة عشر. ومثل هذه المسؤوليات تعلم الشباب القدرة على ترتيب الأولويات، والقدرة على حل المشكلات واتخاذ القرارات المناسبة للوقت والحال.
- مهارة حل المشكلات: لابد من تدريب الشباب على مهارة حل المشكلات، ذلك أن تحمل المسؤولية أيا كانت طبيعتها، تتطلب القدرة على التعامل مع المشكلات وتدبيرها بحكمة وجرأة وتعقل. فالحياة عبارة عن سلسلة من المشكلات التي تتطلب حلولا، وكلما كان الشباب أقدر على حل المشكلات ومواجهتها بل وتوقعها قبل حدوثها استطعنا التغلب على الكثير من المعضلات الاجتماعية.
- الثقة في النفس والقدرة على اتخاذ القرار: الحقيقة أن بناء المهارات السابقة سيمكِّن بشكل مباشر من بناء مهارة الثقة في النفس، باعتبارها من المهارات المهمة في إعداد جيل الشباب لتحمل المسؤوليات، وهذه الثقة تُبنى بالعلم ومصاحبة الفحول، والتربية السليمة منذ الصغر، فترك الفرصة للطفل للإبداع والاختيار وإبداء الرأي كلها عوامل تساعد على اكتساب الثقة في النفس، وتكوين شخصية متوازنة وقوية قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة، وتحمل المسؤولية وقيادة الأمة على بصيرة نحو التقدم والازدهار.
- العمل الجماعي: من المهارات التي تؤهل الشباب لتحمل المسؤوليات بخبرة وأمانة مهارة التعاون والعمل الجماعي، فتربية الشباب على إشراك الآخرين في الرأي، واتخاذ القرارات والتعاون على تنفيذها مفيد جدا في تكوين الشخصيات القيادية المسؤولة/ ومعلوم أن الإسلام يدعو إلى العمل الجماعي ويثني عليه، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (سورة الشورى الآية 38))، وفي الحديث النبوي الشريف (يد الله مع الجماعة).
المزيد من المقالات
- All Posts
- عام
- مقالات
- نشرتنا
يستعرض هذا المقال الدور الريادي للشباب السعودي في صناعة التنمية الوطنية والمجتمعية، واستثمار طاقاتهم في الإبداع والابتكار ضمن مستهدفات رؤية 2030. كما يدعو إلى بناء...
لم تعد الشهرة حلمًا بعيد المنال، بل أصبحت واقعًا رقميًا متاحًا لكل من يمتلك جهازًا واتصالًا بالإنترنت. فقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي ملامح الطموح لدى...