تمكين المرأة في عيون وزراء التنمية الاجتماعية

تدفَّقَ شلال هادرٌ من التصفيق ليملأ مدرج الجماهير، بعد أن دوّى مكبر الصوت باسم الباحثة السعودية.

 تقدمت الباحثة استشارية العلاج الطبيعي والتأهيل الطبي بورقة عمل في أحد مؤتمرات أوروبا، سجلت خلالها نتائج مبهِرة في نزول مرضى (الليمفوديميا) إلى ما يقارب 10 إلى 20 كجم خلال الجلسات العلاجية المقدمة من قبل الدكتورة ، وتم عمل تحليل إحصائي خاص بالمرضى وعددهم 60 مريضا، حيث أخذت الباحثة مقاسات الأطراف السفلية كل خمسة أيام، والنتيجة تحسن ملحوظ حسب نتائج التحليل الإحصائي، وتحسن في مشية المريض نتيجة لنزول الوزن، وقد قدمت الباحثة توصيات بتصنيع الجهاز الطبي السعودي الخاص في التصريف الليمفاوي في المملكة العربية السعودية، بعد حصولها على الحماية الفكرية، وتسجيل الجهاز الخاص بها.

مثَّلت الباحثة نساء المملكة العربية السعودية المُلهمات، الواقفات على مشارف الأمجاد، المؤمنات بأدوارهنَّ في التشييد، مهما بدا هذا الدور بسيطًا للآخرين.

بعد خروجنا من المؤتمر، حدثتني شقيقتي – الدكتورة عبير فلمبان، مشرفة الخدمات الطبية بوزارة التنمية الاجتماعية، مقدِّمة ورقة العمل- حدثتني والتماعةُ الفرحة في عينيها، أن السبب بعد فضل الله لها في هذا الإنجاز وممارسة الشغف في تخصصها هو دعاء الوالدة، ثم ثقة الوزارة، ودعم المسئولين للمرأة، والذي تمثّل في خطابٍ قديم لمعالي الوزير.

تعجبتُ حينها، إذ كيف لخطابٍ يلقيه أحد المسئولين في محفلٍ ما، ومن بين آلاف المقصودين في الخطاب تشقّ الكلمات التشجيعية طريقها لتكون سببا في توقُد فكرة، أو إعلاء همة، أو إشعالِ فتيل عزيمة، كيف للكلمات أن تستحيل ليدٍ تربّت علينا بلطفٍ لإكمال المسير؟!

ولاهتمامي في بعض رسائلي الجامعية بتأثير الإعلام، وقيمة الكلمة المنطوقة والمسموعة على حواسِّ الجمهور -لا سيما الشباب- فإنَّ صاحب الخطاب قد يكون سخيًّا في قول الكثير، وقد يعِدُ بالكثير، ويُلفت الانتباه إلى الكثير، لكن المحكّ النهائي في التأثير، حين يقترب أكثر من جمهوره، ويشاطرهم همومهم، ويبدي ثقته بقدراتهم، وإيمانه بإنجازاتهم.

ولو تناولنا أحد خطابات معالي وزير التنمية الاجتماعية السابق د. علي بن ناصر الغفيص عام 2018م، لوجدناه يؤكد على حقيقة تركيز الوزارة على تمكين المرأة ومشاركتها في سوق العمل، وتمكينها في المناصب القيادية، ومشاركتها في اتخاذ القرار.

كل ما تمَّ ذكره سابقًا بإمكان أيِّ مسئولٍ أن يعدَ به، إلا أن القضية الإبداعية التي طرحها معاليه في ذات الخطاب هي عزم الوزارة على تحقيق التوازن للمرأة بين عملها وبين حياتها الاجتماعية، بحيث لا يُحدث عملها خللاً في منظومة أسرتها، وارتباط أفرادها.

وللانعتاق من محدودية الخطابات الرنانة، إلى سعة التطبيق العملي والواقعي، فإن معالي الوزير قد أطلق برنامج (قرَّة) لدعم خدمة ضيافة الأطفال للمرأة العاملة، وذلك لدعم استمرارها في سوق العمل بكل انسيابية، وبرنامج (وصول) لدعم  نقل المرأة العاملة، والتخفيف من عبء تكاليف النقل عليها، وذلك بالشراكة مع شركات توجيه مركبات الأجرة من خلال التطبيقات المرخصة، وبرنامجًا ثالثًا للعمل الجزئي والعمل عن بعد، مما يمكّن المرأة التي تقدم الرعاية لأفراد أسرتها أن توازن بين أدوارها المتعددة ، وبرنامجًا رابعًا لتشجيع العمل المرِن للسعوديات من سكان المناطق الأقل نموًّا والحاصلات على مستوى تعليميٍّ محدود، عن طريق تطوير قوانين العمل المرن (بالساعة) .

إن مجرد التفكير في هذه التفاصيل الدقيقة لهو إحسانٌ للمرأة، وتنفيذٌ لوصية الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: (استوصوا بالنساء خيرا) .

للإحسانِ سطوة ناعمة على الروح، تدفعه برفق ليُنجز، ويبذل، ويعطي، فهو اللذة الأصدق من بين لذائذ الحياة وشهواتها.

وللغةِ الأرقامِ طاقة جبَّارة على العقل، تجذبه للمصداقية، فهي اللغة التي لا تكذب، ولهذا صرّح معالي وزير التنمية الاجتماعية الحالي د. أحمد سليمان الراجحي عام 2020م أن الوزارة تسعى للوصول إلى 24% من مؤشر حصة المرأة في سوق العمل، وبفضل الله تجاوزت الوزارة هذا المستهدف، حيث أصبحت المرأة اليوم تشكل ما يزيد عن 27% في سوق العمل، كما أطلقت الوزارة برنامج التدريب للكوادر النسائية، وذلك لإثراء المعرفة القيادية للمرأة، وتزويدها بجميع ما تحتاجه لتكون نموذجًا رائدًا يُحتذى به، ويفخر به الوطن، وشهد البرنامج تأهيل 1700 قيادية سعودية .

أطلقْتُ خيالي كامرأة عاملة، تجاهد للتوفيق بين أدوارها المختلفة في البيت والعمل، وأنا أتخيل تقدماً أكثر، وبيئة عمل أجمل، وتمكينا أفضل، في كل مؤسسة وشركة وجامعة ووزارة.

الخيال في المملكة العربية السعودية ليس محضُ حديثٍ منمَّق أو متملِّق، الخيال هو أساس الواقع ووقوده ومحرِّكه لدينا، فأينما ولّينا وجوهنا وجدنا تمكينا للمرأة كان محضاً من الأماني في حقبةٍ سابقة.

أكادُ أجزم أن هناك أفكارا تدور في أروقة أذهان الكثير من المسئولين وأصحاب القرار لتحسين عمل المرأة في قطاعاتٍ شتى، ومهما كانت الأفكار التطويرية جميلة، فإنها لن تخلق الدهشة، وستستحيلُ مجرد كتابة على الماء، ما لم تُقدَّم باستراتيجيات مدروسةٍ واقعية.

وما نراه من إنجازات العاملات من أكاديميات أو طبيبات أو معلمات لهوَ ثمرةٌ طيبة تمخّضت من ولاء المسئولين والمدراء بكفاءة بناتهن، وعدم منح أي جهة لهذا الاهتمام لهو تخاطر بأهم عوامل نجاح المرأة.

القفزات الرشيقة التي تشهدها قضية تمكين المرأة في وزارة التنمية الاجتماعية، كانت هاجسا وحلما تناقله الوزراء واحدا تلو الآخر، ولو عُدنا إلى الوراء لألفينا الوزير الأسبق د. مفرج بن سعد الحقباني يؤكدُ على هذا الهاجس عام 2016 قائلا: (المرحلة الراهنة تتطلب حراكا مختلفا لتجسيد مشاركة المرأة في التنمية الاقتصادية، وفق الضوابط والتشريعات المحددة لعملها، بما يضمن لها مزيدا من الإنتاجية) .

ثمة امتدادٍ يحصل اليوم لما كانت عليه المرأة من الدور الاستخلافي المنوط بها في الصدر الأول من الإسلام، حيث شهدتْ تلك الحقبة مشاركة المرأة في أعمال مختلفة، فنجدها حاضرة في مشهد البيعة، وساحة المعركة، وصلاة الجماعة، وسوق المدينة… وتحملتْ مسئولية الإعمار الحضاري، وجاء الخطاب الرباني مبيّناً تعاون وتعاضد كل من الرجال والنساء جنبا إلى جنب، حيث يكمّل أحدهما الآخر، قال تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم).

هذا هو الإسلام الذي أشرك المرأة في مهمة الاستخلاف والبناء، وهذه هي المرأة السعودية التي إن مُكّنت شرعت أبواب العطاء، وهذه هي المملكة العربية السعودية التي رفعتْ لتمكين المرأة لواءْ، فهل بعد هذا الإحسان إحسان؟!

د. علياء فلمبان

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

المزيد من المقالات

  • All Posts
  • عام
  • مقالات
  • نشرتنا
هوس الشهرة الرقمية

لم تعد الشهرة حلمًا بعيد المنال، بل أصبحت واقعًا رقميًا متاحًا لكل من يمتلك جهازًا واتصالًا بالإنترنت. فقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي ملامح الطموح لدى...

30 أبريل, 2025