هل الشباب جدير بالثقة؟

بسم الله الرحمن الرحيم

بين يدي السؤال
الشباب قوة باتفاق لكن هل هذه القوة محل ثقة أو هي محل اتهام، ولو باعتبارها سن صبوة وجنوح أو هو سن رشد ومسؤولية. وفي الحقيقة يسهل أن تجد نصوصا مبثوثة هنا وهناك وهي ترمي الشباب بالجنوح والصبوة منذ النصوص القديمة حتى في الأدب العربي فهذا أبو العتاهية منذ زمن بني العباس وهو يقول:

علمت يامجاشع ابن مسعدة
أن الشــــــــــــــــــباب والفراغ والجدة
مفســــــــــــــــدة للمرئ أي مفسدة

فمجرد كونك شابًا يكفي أن نتوقع منك الخطأ!! ثم مالبثنا مليًا حتى توالت الأنظار في الإنسان مطلق الإنسان بين كونه خيرًا أو شريرًا في تلك المسألة الأثيرة التي تحدث فيها المتكلمون والفلاسفة لتكون متكئًا لننظر إلى الشباب بناء على ما تنتهي عليه تلك الجولة والمعترك الفلسفي والكلامي والعقائدي المعقد.

والخلاف في هذه المسألة شهير، حيث تباينت الأنظار؛ فنظر يجعل الإنسان شريرًا بطبعه وهو توجه الفلاسفة من أمثال توماس هوبز وسبنسر ويبالغ فرويد فيقول: “الكائن الحي يحافظ على حياته عن طريق تدمير حياة أخرى”، ونظر في الجهة المقابلة يرى الإنسان خيرًا بطبعه وهو موقف سقراط وجالينوس والرواقيين من فلاسفة الإغريق وقال ذلك أيضًا الفيلسوف جان جاك روسو، ونظر ثالث يقف موقفًا محايدًا بدون أن ينسبه إلى الخير او الشر. وهو موقف الفيلسوف الويلزي، روبرت أوين، حيث يرى هذا أن خيرية الإنسان أو شره رهين بالبيئة والموروث الجيني فيه، وهو الأمر الذي يحظى بقبول في بعض الأوساط العلمية السلوكية. 

ويواصل ول ديورانت في قصة الحضارة قائلا: وازدادت فلسفة لوثر قتامة بالاقتناع بأن الإنسان بطبعه شرير وميال للإثم .. مستندًا على قاعدة يقول فيها (والأشرار يفوقون دائماً الأخيار عدداً)!  وحتى الفلسفات الشرقية كالبوذية تنحو نحو هذا الموقف السلبي لأن ” البوذيين يرون أن الإنسان شرير بطبعه، ولا حيلة في إصلاحه إلا بمخلص ومنقذ إلهي” ،  وبالنظر للتراث الأدبي ربما يمكننا نسبة المتنبي إلى تقمص موقف نسبة الإنسان للشر حين قال:
“الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن # تَجِد ذا عِفَّةٍ فَلِعِلَّةٍ لا يَظلِمُ”

لكن موقفًا مهما لابد أن لا نتجاوزه وهو ذلك الموقف الذي يرى أن الإنسان مهدي إلى النجدين لكنه مسنود بفطرة خيّرة ابتداءً ولهذا تجد المفسرين يتحدثون حول قوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) حتى قال الزَّمَخْشَرِيُّ:  أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا كَالْفَرْقِ بَيْنَ عَمِلَ وَاعْتَمَلَ، فَكُلُّ مَنِ اكْتَسَبَ وَاعْتَمَلَ يُفِيدُ الِاخْتِرَاعَ وَالتَّكَلُّفَ، فَالْآيَةُ تُشِيرُ أَوْ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِطْرَةَ الْإِنْسَانِ مَجْبُولَةٌ عَلَى الْخَيْرِ، وَأَنَّهُ يَتَعَوَّدُ الشَّرَّ بِالتَّكَلُّفِ وَالتَّأَسِّي.

وها هو عبد الله دراز في دستوره القرآني يخرج لنا بتهوين هذه الصورة الشريرة قائلًا: الإنسان يرى بعضهم أنه شرير بطبعه، وأنه لا يستطيع أن يتحرر من طبيعته الشريرة، وأن القداسة فكرة وهمية ليس لها مكان على الأرض .إن موقف القرآن الكريم من هذه المسألة يختلف تمامًا عن هذا الموقف المتشدد المتشائم، وينزع إلى نظرة أكثر رحابة وأكثر تفاؤلًا.

وحتى بعد كل هذا كأن الشباب لم يسلم من النظر السلبي إليه، فما لبثنا كذلك أن ظهرت المدارس النفسية المعاصرة وكأنها وجدت نفسها منقادة إلى تلك النظرة التشاؤمية البائسة والتي استثمرها استانلي هول في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ومطلع القرن العشرين بعد أن ابتكر مرحلة عمرية من 12 إلى 24 من عمر الإنسان يمكن تسميتها بالمراهقة، ونسب إليها كل ما يمكن ان يحتمله الاثم والخطأ والسلبية النفسية والاجتماعية من التهور والصلف والتمرد بعد أن خلع عليها لقب (Adolescence) والتي استقرت كنظرية حظيت بالقبول العالمي منذ 1904 كما صرح غير واحد من المؤرخين مثل ول ديورانت في قصة الحضارة، ومثل الدكتور بيتر في الطفولة في التاريخ العالمي! ، ولعل هذا يصلح مفتاحًا لبيان هذا المؤثر على هذه النظارة السوداء تجاه هذه المرحلة العمرية

حاجتنا لبحث الثقة في الشباب:
أجرى آلان بيرفيت دراسة عن قيم المجتمع الحديث، وخلص إلى أن أبرز سمة ينبغي أن يتسم بها المجتمع الحديث وأهمها، هي الثقـة، ويقصد بها: ثقة المرء بنفسه، وثقته في الآخرين، وثقته في المؤسسات. ولا يمكن الاستغناء عن أي ركن من أركان الثقة الثلاثة، فكل واحد منها شرط ضروري لوجود الآخر، وفي حال الاستغناء عن أي ركن فإن الركنين الآخرين سيتصدعان أو ينهاران. ويمكن وصف الانشغال الحديث بصنع النظام بأنه: جهد متواصل يهدف إلى وضع الأسس التأسيسية للثقة.
وفي هذه المستويات الثلاث التي ذكرها ستأتي ثقتنا في الشباب في المستوى الثاني بعد ثقتنا في أنفسنا!

عوامل أثرت في تشويش الثقة في الشباب:
تتبعنا لهذا المؤثر الحديث المشار إليه آنفًا أعني مصطلح المراهقة (Adolescence) في البيئة الغربية؛ يوقفك على حقيقة أنّ دراستها بالوضع الحالي أمرٌ حادث وجديد وغير مألوف في البيئة الأوروبية، لهذا يذكر ول ديورانت في قصة الحضارة: أنّ الغلام في المجتمع اليوناني كان يقترب من سن العقل في السابعة أو الثامنة من عمره…وإذا بلغ الأولاد الثامنة عشرة من عمرهم بدءوا المرحلة الرابعة من مراحل الحياة الأثينية: الطفولة والشباب والرجولة والكهولة, وفيها ينخرطون في صفوف شبّان أثينا المجندين المعروفة بمنظمات الشباب، بل يقول إن: القانون الروماني حدد أصغر سن يباح فيه الزواج؛ الثانية عشرة للفتاة، والرابعة عشرة للفتى, وكان القانون اليوناني القديم يجعل الزواج إجباريًا .

ويذكر ول ديورانت: أنّ الأولاد في المجتمع النصراني كانوا يبلغون سن العمل وهم في الثانية عشرة من عمرهم، ويبلغون سن الرشد القانوني في السادسة عشرة, وكان النضج المالي أي القدرة على كفالة الأسرة يجيء بعد النضج الجنسي بل ذكر عن اليهود أنهم كانوا يقيمون حفلاً للشاب إذا بلغ الثالثة عشرة إيذانًا بدخوله ميدان الرجولة ، وبهذا يتضح أنّ المراهقة لم تكن في العصور القديمة، تشكل أزمة أو مشكلة بل كان الطفل بمجرد بلوغه يدخل حياة الراشدين، وينتقل من مكانة الطفولة إلى منزلة الكهل على إثر ظهور علامات البلوغ، فيعمل ويكافح ويعتمد على ذاته ويتحمل المسؤولية.
والدراسات التاريخية بأوروبا الغربية تثبت أنّ عزل سن المراهقة لم يحدث إلا على أثر بعثرة التقاليد والأنظمة الاجتماعية نتيجة للثورة الصناعية الأولى.

وهذا ليس بغريب إذا علمنا أن من الباحثين الأمريكيين أنفسهم من يقرر هذا الوضع. فيقول “جلن مايرز بلير ود.ستيوارت جونز” في كتابهما “سيكلوجية المراهقة”: إن “المجتمع الأمريكي، وفي الفترات الأولى من تاريخه كانت نسبة الأفراد الذين يمكن تسميتهم مراهقين أضأل كثيرًا من نسبتهم إلى مجموعة السكان. ففي هذه الفترة المبكرة من تاريخ البلاد، كان المرء يتزوج وهو ما يزال صغير السن نسبيًا، كما كان يتحمل من مسؤوليات الراشدين ما لا يختص به اليوم إلا من هم أكبر سنًا من ذلك بكثير من الراشدين…وأمّا في أمريكا في العصر الحاضر فإن المراهقة تمتد في العادة عبر عدد كبير من السنوات” .

وإذا علمنا أن “المراهقة” وليدة المدنية الحديثة لسوء تعاملها معه علمنا بذلك حداثتها. هذا من ناحية، وعدم كونها تغييرًا بيولوجيًا صرفًا من ناحية أخرى. وهذا ما أثبتته بعض الدراسات أعني أثر البيئة الاجتماعية على المراهق مثل دراسة (مارجريت ميد1970Mead) على قبائل “ساموا: الأربيش، ومندجمور” حيث وجدت أن المراهقين في القبيلتين بينهما فارق كبير، فمراهق الأربيش هادئ، متعاون، متكيف؛ لأنه يلقى العطف والرعاية والأمان، في الوقت الذي يفقد تلك المعاملة المراهق في مندجمور، فهو مراهق عدواني غير متكيف لما يلقاه من ألوان القسوة والإهمال منذ طفولته حتى مراهقته.

تاريخ الثقة في الشباب:
مسألة الثقة في الشباب في مثل هذه الأزمنة السائلة بحسب الفيلسوف زيغمونت باومان مسألة مهم بحثها، لأن علاقتنا بالآخرين عموما والشباب خصوصا لابد من حضور الثقة فيها وفي هذا يقول باومان: “إن حاجتنا ورغبتنا في تكوين روابط راسخة ومحل ثقة في أزمنتنا الحديثة السائلة، أكثر من أية أزمنة أخرى.
وفي منظورنا الإسلامي يمكننا التأريخ لهذه الثقة وفي موضوعنا الشبابي بعلاقة الأنبياء والمرسلين بمجتمعاتهم، والتي كانت الثقة فيها تبدأ أولا بالشباب وهي مفارقة كبيرة، وقد أثبت علماء السير وغيرهم أنّ أكثر أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم – هم الشباب، وهو واقع استجابة الله – تعالى – لتلك الدعوة: (بل إني أرجو أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا)  .

قال ابن كثير – رحمه الله- عن حال من كان مع النبي – صلى الله عليه وسلم -: (ولهذا كان أكثر المستجيبين لله – تعالى – ولرسوله – صلى الله عليه وسلم – شبابًا، وأما المشايخ من قريش، فكثير منهم بقوا على دينهم، ولم يُسلِم منهم إلا القليل) .
وقال الإمام أحمد من قَبْلِهِ: في جواب سؤال ابنه في تفسير حديث “اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم”: الشيخ لا يكاد أن يسلم، والشاب يسلم .
ويزيد أنس بن مالك، خادمِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -، الأمر إثباتًا فيقول: (قدم النَّبِيُّ – صلى الله عليه وسلم – ولَيسَ في أَصحابه أَشْمَطُ غيرَ أَبي بكر، فغلَفها بِالْحِنَّاءِ وَالْكَتَم). والشَّمَطُ: بياض الشعر يخالط سواده .
ولما دخل أبو حمزة الخارجي المدينة قيل له في أصحابه: إنهم صغار أحداث، فقال: (ويحكم وهل كان أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلا شبابًا أحداثًا).

وحين قدم العباس في بيعة العقبة ليستوثق لابن أخيه محمد – صلى الله عليه وسلم -؛ قال جابر في روايته للقصة: (فلما نظر العباس في وجوهنا قال: هؤلاء قوم لا نعرفهم؛ هؤلاء أحداث). فهو يعرف رجالات المدينة الكبار الذين هم في سنه، ولا يعرف هؤلاء الشباب الصغار؛ الرعيل الأول الذين تعهدوا نبتة الإسلام، وسقوها ببذلهم حتى استوى الإسلام على سوقه، بل إن دولة الإسلام الأولى ما قامت إلا على عاتق هؤلاء الشباب الصغار.

papaioannou-kostas-tysecUm5HJA-unsplash

ومن دلائل استثمار الأنبياء – عليهم الصلاة والسلام – وثقتهم في هذه المرحلة العمرية أن: أتباع موسى عليه السلام هم الشباب: قال – تعالى -: {فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } [يونس: 83]. قال ابن كثير – رحمه الله – في تفسيرها: “الذرية: وهم الشباب”. وقال مجاهد: “هم أولاد الذين أرسل إليهم موسى – عليه السلام -“يقول عبد الرحمن بن سعدي عند قوله – تعالى -: { فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ } أي: شباب من بني إسرائيل، صبروا على الخوف؛ لما ثبت في قلوبهم الإيمان.

ولم يجف حبر التاريخ حتى وجدناه يجود بنصوص في الثقة في الشباب فهذا الإمام النسائي يروي في سننه ويقول أخبرنا الهيثم بن أيوب قال: حدثنا إبراهيم قال: حدثنا ابن شهاب، عن عبيد بن السباق، عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلي أبو بكر قال: إنك غلام شاب عاقل، لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فتتبع القرآن فاجمعه.

لاحظ أن أبا بكر رضي الله عنه خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم يثق في الشباب ويصرح له بثقته ، وهذا أمير المؤمنين رضي الله عنه يفعل الفعل ذاته ويثق في الشباب كما نقل ابن عبد البر النمري في جامعه ونقل عن الحسن الحلواني في كتاب المعرفة ثنا محمد بن عيسى قال: حدثنا أبو سلمة يوسف بن الماجشون قال: قال لي ابن شهاب ولأخ لي وابن عم ونحن فتيان نسأله عن العلم:  “لا تحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يبتغي حدة عقولهم”.

لكن ربما كل تلك النداءات لم تلق آذانًا صاغية لدى بعض الباحثين، فلو ذهبت تسأل الفضاء الرقمي عبر قوقل عن مشكلات الشباب، وانجازات الشباب لرأيت العجب العجاب، فستجد ان الصورة السلبية تعطيك أرقامًا مضاعفة كالتي أعطتنا في دراسة سابقة، وكما تعطيك أرقامًا متواضعة حين تبحث عن الإنجازات والايجابيات التي تعطيك التفاؤل والثقة.

ثقة العرب في شبابها وثقتنا في شبابنا في المملكة:
بدأت في ثقافتنا منذ عهد مبكر جدًا الثقة في الشباب حتى قال أبو عمرو بن العلاء مابكت العرب على شيء بكاءها على الشباب، وما بغلت ما يستحق! ، بل يقول حذيفة رضي الله عنه: وهل الخير إلا في الشباب! 
ومن بعده نقل الذهبي عن مالك بن دينار قوله في الشباب: إنما الخير في الشباب. 

ولا يزال النظر للشباب متصل السند والسبب حين يحضر ميزان العدل لا ميزان الحيف على الشباب حتى وجدنا نصًا للرحالة الفنلندي جورج أوغست فالين والذي تسمى بـ(عبد الولي) ليقدم مقولته عن الشباب السعودي حيث يقول في تجواله في البادية في شمال المملكة: “ولم أر في العالم كله أولادًا أكثر تعقلاً وأحسن خلقًا وأكثر طاعةً لأبيهم من أبناء البدوي” .

والحق أن الأحداث المتوالية في فوز عدد كبير من الشباب السعوديين بالجوائز العالمية خير برهان، ومن أمثلتها جائزة الآيسف (2021،2022، 2023) والتي يعد الفوز المتكرر بجوائزها أحداثًا تقدم مصاديق برهنة حول تلك النظرة المتفائلة والايجابية والواثقة في الشباب السعودي وقدرتهم على المنافسة والحضور العالمي بكل كفاءة واقتدار، الأمر الذي يبدد أي فكرة تقود نحو التشكك وضعف الثقة في الشباب.

ولما اجرى المركز الوطني لاستطلاعات الرأي العام دراسته حول هذه الظاهرة، أثبت مقولته هو الآخر ليقول لنا: إن شباب المملكة لديهم القدرة في الإنجاز العلمي والتقني عن نظرائهم في الدول المتقدمة علمياً وصناعياً.
وفي هذا الصدد لابد أن انك لاحظت كما لاحظ العالم أجمع أن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان يثق في الشباب السعودي وهو في مقدمهم: يكرر قوله “لدينا عقليات سعودية مبهرة ورائعة جداً، خاصة في جيل الشباب، طاقة قوية شجاعة، ثقافة عالية، احترافية جيدة وقوية جداً، ويبقى فقط العمل. وطموحنا سوف يبتلع هذه المشاكل، سواء بطالة أو إسكانا أو غيرها من المشاكل”.

والحقيقة أن نصوص الرؤية السعودية2030 واضح فيها وضعها عينها على هذا المكون الاجتماعي بنظرة إيجابية متفائلة، وهي بذلك تتجاوز النظرة القديمة والتي تشكك في الشباب ففي مرحلة من الزمن لم تكن تستطيع أن تقرأ حتى في الأبحاث والدراسات إلا عن مشكلات الشباب وأزمات الشباب في الوقت الذي تتواضع الأبحاث التي تضع عينها على انجازاتهم!

كيف نقيس ثقتنا في شبابنا:
تمتاز الثقة بأنها قابلة للقياس على جميع مستوياتها، ولهذا يجري المنتدى الاقتصادي العالمي دراسات سنوية لقياس ثقة الناس في الحكومات والمؤسسات والشركات العالمية والشركات المحلية الكبيرة، ويعد مقياس إدلمان Edelman من أهم وأشهر المقاييس المعنية بقياس الثقة في الحكومات، إذ يقوم برصد ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية.

وتشارك التقارير الدولية عن الشباب في رصد هذه الثقة وقياسها كذلك فنجد اليوم في استطلاع أصداء بي سي دبليو السنوي الرابع عشر لرأي الشباب العربي2022، وهوالمسح الأشمل من نوعه للشريحة السكانية الأكبر في العالم العربي نجد الاستطلاع يقول : إن (99٪) تقريبًا من الشباب السعوديين المشاركين في الاستطلاع يثقون بأن رؤية 2030 ستضمن بناء اقتصاد قوي للمملكة، وتعتقد نسبة مماثلة منهم (97٪) إن أيامهم القادمة أفضل. ويرى 98٪ من الشبان والشابات السعوديين أن قيادتهم تهتم لآرائهم، وأن حكومتهم تمتلك السياسات المناسبة لمعالجة مشاكلهم مثل جودة التعليم وتوفير الوظائف والنمو الاقتصادي. 

ولابد لعامل الثقة هذا أن يكون متبادلاً فثقة الشباب السعودي اليوم في مؤسساته الحكومية ذو صلة بثقة المؤسسات الحكومية في الشباب السعودي وهو أمر لا يحتاج إلى أدلة فتلك المؤسسات الحكومية إنما يعمل فيها ويحركها نفس الشباب السعودي.

وتارخيًا يمكنك أن تلاحظ أن من سمات المجتمع السعودي قبل النفط، سمات عامة المجتمع التقليدي، وهو المجتمع البسيط المتجانس، وأنه مجتمع قادر على الضبط الاجتماعي من خلال فرض العادات والتقاليد والقيم، وغالباً يعرف أفراد المجتمع بعضهم بسبب القرابة والجيرة. وقد كان المجتمع السعودي يحمل هذه السمات بطبيعة الحال، لذلك كانت الثقة في الأجيال السابقة تشكل جوهر الحياة اليومية، وأساس التعاملات الاجتماعية والاقتصادية والدينية، فقد كانت الكلمة التي يتكلم بها الإنسان وثيقة وعقد ملزم، بوصفها اتفاقًا شفويًا، ومن يخل بها فهو معرض للضغط عليه من الوجهاء والأقارب لتصحيح الخطأ، أو معرض لفقدان سمعته التي يعيش المرء طيلة حياته من أجل الحفاظ عليها.

معيار المقياس في ثقتنا في شبابنا نستمده من أن الله تعالى وقد وثق بهذا الشاب فكلفه شرائع الإسلام بالجملة بمجرد بلوغه ودخوله سن الشباب والمسؤولية. ووثق بقدرته على تحمل الأمانة فها هو يكلّف بالصيام. ووثق بقوته البدنية فكلف الحج وسائر العبادات البدنية. ووثق بقدرته على الولاية فحضه النّص على الزواج؛ ففي الحديث الشهير الذي يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شبابًا لا نجد شيئًا فقال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء” .

وبهذا سيكون إسناد المهام المسؤوليات في كل مراحل الشباب منذ بلوغ الخامسة عشرة حتى خروجه من مرحلة الشباب إلى الكهولة هو من أهم معايير الثقة في الشباب، وهو معيار غير غائب عن المقاييس والمؤشرات العالمية لأنها تقيس مستوى دخول الشباب في العمل والعمل مؤشر من مؤشرات الثقة.

د. عبدالله الطارقي

مستشار البحوث والدراسات لدى مركز مرشاد.

المزيد من المقالات

  • All Posts
  • عام
  • مقالات
  • نشرتنا
هوس الشهرة الرقمية

لم تعد الشهرة حلمًا بعيد المنال، بل أصبحت واقعًا رقميًا متاحًا لكل من يمتلك جهازًا واتصالًا بالإنترنت. فقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي ملامح الطموح لدى...

30 أبريل, 2025