الشباب لا يبحثون عمّن يملي عليهم الطريق؛ بل عمّن يشاركهم اكتشافه” كيف ننتقل من البرامج التقليدية إلى حلول مبتكرة تُشعل الشّغف وتَصنع الأثر ؟ تستعرض...
يُعد الإبداع والابتكار من أهم محركات التقدم في المجتمعات، فالإبداع هو القدرة على توليد أفكار جديدة وخارجة عن المألوف، في حين يُترجِم الابتكار هذه الأفكار إلى حلول عملية وفعّالة؛ لتحدِث فرقًا ملموسًا في حياة الأفراد والمجتمعات. فالإبداع شرارة البداية، والابتكار هو الطريق نحو التغيير. هما معًا يشكلان القوة الدافعة لكل تطوّر. وعندما يتجه العاملون مع الشباب إلى تبنِّي الابتكار منهجيةَ عملٍ في مجالات العمل الشبابي، فإنهم ينتقلون بأعمالهم من الأداء الروتيني إلى الحلول الإبداعية، ويفتحون آفاقًا جديدة للتطوير، ويخلقون فرصًا واعدة لتنمية الشباب والاستجابة لاحتياجاتهم بأساليب أكثر فاعلية.
سنستكشف معًا في هذا المقال مفهوم الابتكار في العمل الشبابي، وسنبين أهمية تبني منهجيات مستحدثة عند العمل مع الشباب. كما سنتعرف على بعض أدوات الابتكار التي يمكن تطبيقها في المشاريع الشبابية.
يمكن إدراج تعريف الابتكار في العمل الشبابي كفرع من الابتكار الاجتماعي، حيث يشير بورتالز إلى أن الابتكار الاجتماعي يُعدّ أمرًا جوهريًّا لإحداث “التغيير الاجتماعي” من خلال الاستجابة لمشكلة أو حاجة اجتماعية محددة، وفي حالة العمل الشبابي، يتم تضييق نطاق الابتكار الاجتماعي ليركز على الاحتياجات والمشاكل المتعلقة بفئة الشباب، ويمكن أن يشمل وصف الابتكار في العمل الشبابي جميع المنهجيات والممارسات وأساليب التعامل أو نماذج العمل المُجرّبة، سواءً كانت جديدة تمامًا أو تتضمن عناصر جديدة أو تُعدّ تحسيناتٍ على تلك الموجودة في هذا المجال بشكل عام أو في سياق محدد. “كما تُعدّ عملية توليد الابتكار بنفس أهمية الابتكار نفسه، ويجب أن يشارك الشباب في صنعه فإنهم ليسوا مجرد مستفيدين من هذه الابتكارات. ومن المهم الإشارة إلى أن عملية الابتكار تَحدُثُ في بيئة معقدة، تحتوي على العديد من أصحاب المصلحة والسياقات المختلفة. “
تبرز أهمية الابتكار في العمل الشبابي في أنها توفر أساليبَ مستحدثةً، تساعد الشباب على التطور في ظل التحولات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يشهدها المجتمع، كما توفر عمليةُ الابتكار للعاملين مع الشباب العديدَ من المنهجيات الحديثة التي قد تساعدهم في تطوير عملهم، بما في ذلك الوصولُ إلى الشرائح المختلفة من فئة الشباب والمجموعات المهمشة اجتماعيًّا، مما يزيد من فرص التأثير الإيجابي على هذه الشرائح. ومع ذلك فإن الابتكار في العمل الشبابي لا يسعى إلى خلق قيمة للشباب فقط، بل يسعى أيضًا إلى تعزيز المجتمع ككل، مما يجعله أكثر مرونة من خلال إحداث تغييرات في الهياكل الاجتماعية. “في الواقع، عند الحديث عن أهمية الابتكار في العمل الشبابي، تعتبر فنلندا مثالًا جيدًا لتوضيح ذلك، حيث يرى البعض أن هناك علاقة ارتباط مباشرة بين كون فنلندا هي الدولة الأكثر سعادة لمدة خمس سنوات متتالية، وانخفاض أعداد المشردين نتيجة للجهود الاجتماعية البارزة التي تستند إلى الأبحاث الحكومية والمستقلة”.
تتوفَّرُ العديد من المنهجيات والأدوات التي يمكن استخدامها لإنتاج حلول مبتكرة عند العمل مع الشباب، حيث أشارت كل من الجمعية الاجتماعية وجمعية إدموندو الإسبانية إلى الدور الكبير الذي تلعبه بعض أدوات تعزيز الإبداع في مساعدة المعنِيِّينَ بالعمل مع الشباب على توسيع آفاقهم، حيث أنتجت الجمعيتان “دليل الابتكار في العمل مع الشباب” محتويًا على بعض الأدوات الإبداعية والمبتكرة لمساعدة العاملين مع الشباب على مواجهة التحديات الجديدة في هذا القطاع بشكل أفضل. كما قدم الدليل هذه الموجهات العامة التي يمكن أن تعزز بيئة الابتكار في العمل الشبابي:
• ترك الأحكام المسبقة عن الشباب.
• استخدام آليات جذابة في مخاطبة الشباب.
• استخدام لغة بسيطة وواضحة وقريبة من الشباب.
• ابتكار بنية جديدة للبرامج والمشاريع الشبابية.
• البحث عن شبان نشطين ليكونوا مدخل أو وكلاء لمختلف المجموعات الشبابية.
• إنشاء روابط مباشرة بين المؤسسات والمجموعات الشبابية.
• تبنِّي الأفكار التي يروّج لها الشباب.
• إنشاء مساحات يديرها الشباب وتُخصص لهم.
• استخدام منهجيات تشاركية لجمع اقتراحات وملاحظات وشكاوى وآراء الشباب.
• توفير مساحات مفتوحة ومتاحة (من حيث الأوقات والإدارة والموقع) لإطلاق مبادرات الشباب.
• إنشاء المزيد من المساحات العامة المخصصة للترفيه، مثل المرافق الرياضية أو المرافق التي يلتقي فيها الشباب.
• تقييم المشاريع والكيانات والمساحات الشبابية التي تعمل بفعالية.
وفي ذات السياق، فقد أطلق الاتحاد الأوروبي بعض المشاريع مثل مختبرات المستقبل التي تسعى إلى إنتاج أدوات مبتكرة في مجال العمل الشبابي، حيث أنتج مشروع مختبرات المستقبل دليلًا شاملًا يحتوي على العديد من أدوات الابتكار في المشاريع الشبابية (يمكن الوصول إليه من هنا)، ليس فقط بهدف خلق شيء جديد، وإنما لتكييف أدوات ومنهجيات من مجالات أخرى وتطبيقها في قطاع العمل الشبابي، مما يفتح آفاقًا جديدة ويحسّن من جودة الخدمة المقدمة للشباب.
كما يمكن الاستفادة من خطوات ومنهجيات البرمجة المرتكزة على الشباب (Youth Centered Programming) في تصميم مشاريع مبتكرة، مثل:
– المنهجية التجميعية (Cafeteria): إلقاء نظرة شاملة على البرامج والمشاريع الشبابية، ثم الجمع بين أساليب وأدوات متعددة:
o الأساليب: جلسات معرفية – زيارات ميدانية – منتديات حوارية – ألعاب وأنشطة خارجية – اجتماعات مع شخصيات قيادية أو ملهمه – مشاريع عملية – استشارات.
o البيئات: بيئات التعليم الترفيهي – المخيمات الخارجية – الحدائق والأماكن المفتوحة – الأسواق.
o الأدوات: السرد – القصص – الأفلام – الألعاب – الأدوات التكنلوجية.
– منهجية الممارسة المعاصرة: تعتمد على دراسة الممارسات المبتكرة والمعاصرة المتبعة في تصميم البرامج والمشاريع الشبابية، وللوصول لهذه الممارسات يمكن البحث في مصادر المعلومات المتوفرة محليًّا ودوليًّا مثل: المطويات، التقارير، الأدلة، الأفكار المبتكرة، التجارب السابقة.
– التنويع في تحديد طبيعة البرنامج الشبابي:
o تنافسي – البطولات والمسابقات الرياضية والثقافية والترفيهية.
o صفَي – النشاط المنهجي الرسمي والإلزامي.
o فعالية خاصة – الفعاليات التي تُنظم لمرة واحدة مثل المهرجانات والكرنفالات.
o طوعي – المشاركة بحسب الرغبة.
o نادي – للمجموعات ذوو الاهتمامات والمشاريع المشتركة في مجالات محددة.
o مُخيم خارجي – الوصول للشباب في أماكن تواجدهم ونقل الأنشطة إليهم.
– التنويع في اختيار مجالات البرامج والمشاريع الشبابية:
o فني (الدراما، التقمص، التمثيل) – مجال إدراكي وإبداعي، يمكنه تطوير المهارات الحياتية الملموسة.
o رياضي (الألعاب التنافسية الجُسمانية) – مجال صحي وجسماني، يمكنه تطوير مهارات التعاون والعمل الجماعي.
o بيئي – نشاط خارجي، يمكنه تنمية المهارات الحياتية.
o التدريب الحرفي والمهني، يمكنه تطوير مهارات سوق العمل.
كذلك، يمكن استخدام منهجية تحويل البرنامج أو المشروع إلى لعبة (التلعيب): حيث يمكن للعاملين مع الشباب استخدام خصائص الألعاب (التحدي – المراحل – النقاط – التنافسية – التعاون) في تصميم برنامج شبابي مبتكر، بالإضافة لاستخدام بنية الألعاب وآلياتها في تصميم المشاريع الشبابية، حيث يمكن أن يساعد ذلك في زيادة المشاركة والتفاعل في الأنشطة الموجهة للشباب. فعلى سبيل المثال، أظهرت دراسة أجرتها شركة هوب لاب الشركة المطورة لبرنامج (Zamzee) التعليمي المعزز بالألعاب لتحفيز النشاط البدني: أن طلاب المرحلة الإعدادية الذين استخدموا البرنامج في الولايات المتحدة الأمريكية، قد زاد مستوى نشاطهم البدني بنسبة 59٪ مقارنة بمجموعة أخرى لم تستخدم البرنامج، كما أظهرت الدراسة زيادات ملحوظة في النشاط البدني لدى الفئات المعرضة للانحراف، بما في ذلك زيادة بنسبة 103% لدى الفتيات وزيادة بنسبة 27% لدى المشاركين الذين يعانون من زيادة الوزن . وبذلك نستطيع أن نقول: إن عملية “التلعيب” تتمثل في توظيف أي فكرة مأخوذة من الألعاب في سياقات تعليمية بهدف تحويل “التجربة المملة” إلى تجربة أكثر تشويقًا وتفاعلية ومتعة.
باستخدام هذه المنهجيات والأدوات نستطيع الحصول على برامج شبابية مبتكرة، من شأنها أن تنتج حلولًا إبداعية لتساهم في كسر روتين الممارسة التقليدية في العمل الشبابي . حيث يهدف الابتكار في العمل الشبابي لتطوير أو تحسين منهجيات وخدمات تلبي احتياجات الشباب بطرق غير مألوفة، ويحدث ذلك في بيئة عمل معقدة، فهو يستجيب لاحتياجات الشباب المتغيرة ويستجيب لمشكلاتهم الاجتماعية. وتكمن أهميته في إنتاج حلول نابعة من الشباب أنفسهم، مما يعزز من وعيهم ومساهمتهم في مواجهة التحديات. كما يجب أن يشرف العاملون مع الشباب على توجيه هذه العملية، فالهدف هو تعزيز مشاركة الشباب في تصميم التدخلات التي تستهدفهم لكي تأتي ملبية لاحتياجاتهم وتطلعاتهم.
المقال مترجم بتصرف عن
INNOVATION IN YOUTH WORK, Sofia Fernandes, Orlando Lima Rua 2022
مرشاد
المزيد من المقالات
- All Posts
- عام
- مقالات
- نشرتنا
يستعرض هذا المقال الدور الريادي للشباب السعودي في صناعة التنمية الوطنية والمجتمعية، واستثمار طاقاتهم في الإبداع والابتكار ضمن مستهدفات رؤية 2030. كما يدعو إلى بناء...
لم تعد الشهرة حلمًا بعيد المنال، بل أصبحت واقعًا رقميًا متاحًا لكل من يمتلك جهازًا واتصالًا بالإنترنت. فقد غيّرت وسائل التواصل الاجتماعي ملامح الطموح لدى...